Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
بوجبامانشستر يونايتدتقارير ومقالات خاصة
الأكثر تداولًا

“شكرًا على الثقة”.. بوجبا والعودة بدموع النجاة بعد السقوط الكبير

قليلون هم من امتلكوا الموهبة الفطرية التي وُلد بها بول بوجبا. لاعب وسط استثنائي، يتجاوز التصنيفات التقليدية، يجمع في قدميه القوة البدنية والبراعة الفنية، وفي رأسه رؤية لعب قلّما امتلكها لاعب في جيله. منذ بداياته الأولى في أكاديمية مانشستر يونايتد الإنجليزي، كان واضحًا أن هذا الفتى الفرنسي مختلف. تمريرة واحدة منه كانت كفيلة بتغيير اتجاه مباراة، ولمسة واحدة قادرة على رسم لوحة كاملة وسط الزحام.

لكن بقدر ما كانت موهبته نادرة، كانت مسيرته مليئة بالمنعطفات. لم يعرف طريقًا مستقيمًا، بل عاش صعودًا مذهلًا في يوفنتوس الإيطالي، ثم انتقالًا قياسيًا في مانشستر، أعقبه خيبات، وإصابات، وانتقادات لا تنتهي. حتى خارج المستطيل الأخضر، ظل بوجبا مادة مثيرة، إما بابتسامته العريضة وأسلوبه الفريد، أو بخياراته المثيرة للجدل، ما بين تسريحات شعره وتصريحاته الحادة.

بعد نهاية رحلته الثانية مع مانشستر يونايتد، التي اتسمت بالتقلبات والجدل، وجد بول بوجبا نفسه أمام مفترق طرق. في لحظة وداع لم يكن فيها كثير من العواطف، رحل عن أولد ترافورد وسط حالة من الإحباط المشترك: جمهور لم يحصل على ما كان يأمله من نجم المونديال، ولاعب شعر أن محاولاته للعودة إلى أفضل نسخة منه لم تُقابل بالدعم الكافي.

بول بوجبا

من مانشستر إلى تورينو.. رحلة البحث عن التألق المفقود

في صيف 2022، عاد بوجبا إلى يوفنتوس. الصفقة كانت مجانية، لكن المشاعر كانت أغلى من أي رقم. العودة بدت وكأنها سيناريو مثالي، فيلم تتلاقى فيه البداية والنهاية على أرض واحدة، حيث وُلد نجم اسمه بول بوجبا. الجماهير فتحت له ذراعيها، والإدارة راهنت عليه من جديد، والمدرب أليجري حلم باستعادة قلب خط الوسط الذي عرفه جيدًا قبل سنوات. المدرب ماسيميليانو أليجري نفسه، الذي شهد جزء من انفجار موهبة بوجبا مع يوفنتوس سابقًا، كان يراهن عليه مجددًا. الجميع في تورينو شهدوا عودة بوجبا من أجل إحياء نسخة سابقة من اللاعب الذي لا يُشبه أحدًا، بلمسته المميزة، بقراراته الجريئة، وبتأثيره الكبير في مباريات الحسم.

موسم أول للنسيان: أرقام صادمة وغيابات لا تنتهي

لكن ما كاد الحلم يبدأ، حتى تحوّل إلى كابوس. فالفترة الثانية لبول بوجبا مع يوفنتوس كانت، بكل المقاييس، واحدة من أكثر الفصول خيبة في مسيرته. الإصابات لم ترحمه، وغاب لفترات طويلة، وعجز عن إيجاد استمرارية بدنية أو فنية.

فيما يلي إحصائيات بوجبا في موسمه الأول مع يوفنتوس بعد العودة في موسم 2022-2023:

عدد المباريات10
عدد الأهداف0
عدد التمريرات الحاسمة1
عدد المباريات التي غاب عنها52 مباراة
عدد أيام الغياب بسبب الإصابة282 يومًا

في موسمه الأول مع الفريق، لم يشارك سوى في 10 مباريات فقط بجميع المسابقات، لم يُسجل خلالها أي هدف، واكتفى بتقديم تمريرة حاسمة واحدة فقط، وهي أرقام لا تليق بلاعب كان يُنتظر منه الكثير في خط وسط يوفنتوس.

بوجبا، الذي عاد بطموح استعادة أمجاده في البيانكونيري، بدا شبحًا لنفسه. وما زاد الطين بلة أن لحظات ظهوره كانت قليلة ومتقطعة، دون أي تأثير كبير على أداء الفريق، ليكون من المنطقي تصنيف تلك العودة، كواحدة من أسوأ الصفقات المجانية في تاريخ النادي الحديث.

أزمة كبرى.. تحليل المنشطات يضرب بوجبا

الموسم الثاني لم يختلف كثيرًا عن سابقه، بل كان أسوأ، فقد شارك بوجبا في مباراتين فقط قبل حدوث الأزمة الأكبر في مسيرته، ففي سبتمبر 2023، انقلبت حياة بول بوجبا رأسًا على عقب. بعد أن بدأ اللاعب المشاركة في المباريات، جاءت الضربة القاصمة: ثبتت إيجابية عينة أُخذت من بوجبا بعد مباراة فريقه الأولى في الدوري ضد أودينيزي، حيث جاءت إيجابية لمادة “DHEA” (ديهيدرو إيبي أندروستيرون)، وهي مادة محظورة رياضيًا لأنها تساهم في زيادة هرمون التستوستيرون.

النبأ كان أشبه بزلزال، بوجبا لم يكن مجرد لاعب عادي، بل نجم عالمي، بطل كأس العالم مع فرنسا، وصاحب مسيرة حافلة في الملاعب الأوروبية. لم يسبق له الارتباط بأي قضية أخلاقية أو سلوكية كبيرة، فجاءت الواقعة مفاجئة للجميع، بما فيهم أقرب المقربين منه. ومع إعلان الخبر، تم إيقاف بوجبا احتياطيًا عن اللعب، وبدأت التحقيقات والإجراءات القضائية الرياضية.

في أكتوبر 2023، تم تحليل عينة أخرى من بوجبا بناء على طلبه، لكن المفاجأة أن العينة جاءت نتيجتها إيجابية أيضًا، مما زاد من تعقيد الموقف على بوجبا.

صدمة كبرى.. إيقاف لمدة أربع سنوات

ظلّ بوجبا موقوفًا، حتى جاءت اللحظة الحاسمة في فبراير 2024، عندما صدر القرار الرسمي من المحكمة الإيطالية لمكافحة المنشطات: إيقاف بول بوجبا لمدة أربع سنوات عن ممارسة كرة القدم. قرار بدا كأنه نهاية قاسية لمسيرة لاعب لم يتجاوز بعد عامه الحادي والثلاثين، لا سيما أن هذه العقوبة تطبق بشكل صارم، ولا تعني فقط الابتعاد عن المباريات، بل حرمان كامل من التدريبات الرسمية والمشاركة في أي نشاط رياضي منظم.

اللاعب خرج عن صمته حينها، وقال في بيان رسمي:

“أُبلغتُ اليوم بقرار المحكمة الوطنية لمكافحة المنشطات، وأعتقد أن هذا الحكم غير صحيح. أشعر بالحزن والصدمة والحزن الشديد لأن كل ما بنيتُه في مسيرتي الاحترافية كلاعب قد سُلب مني.

“عندما أتحرر من القيود القانونية، ستتضح الحقيقة كاملةً، لكنني لم أتناول قط، عن علم أو عمد، أي مكملات غذائية تنتهك لوائح مكافحة المنشطات.

“بصفتي رياضيًا محترفًا، لن أفعل أي شيء لتحسين أدائي باستخدام مواد محظورة، ولم أسيء إلى زملائي الرياضيين أو مشجعي أي من الفرق التي لعبتُ لها أو ضدها، أو أغشّهم. بناءً على القرار الصادر اليوم، سأستأنفه أمام محكمة التحكيم الرياضي.”

بصيص أمل: الاستئناف وتخفيف العقوبة

تم تخفيف عقوبة بوجبا بعد الاستئناف، ففي أكتوبر 2024 تم تخفيف الإيقاف من 4 سنوات إلى 18 شهرًا بداية من سبتمبر 2023، مما يعني أن اللاعب أصبح على بعد 5 أشهر من العودة للحرية وممارسة كرة القدم من جديد.

وقتها علق النجم الفرنسي قائلًا:

“أخيرًا انتهى الكابوس. أتطلع بشوق إلى اليوم الذي أتمكن فيه من تحقيق أحلامي مجددًا.

لطالما أكدتُ أنني لم أخالف لوائح الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات عن عمد عندما تناولتُ مكملًا غذائيًا وصفه لي طبيب، وهو لا يؤثر على أداء الرياضيين الذكور ولا يُحسّنه.

ألعب بنزاهة، ورغم أنني أعترف بأن هذه مخالفة تستوجب المسؤولية القانونية الصارمة، أود أن أسجل شكري لقضاة محكمة التحكيم الرياضي الذين استمعوا إلى شرحي.

لقد كانت هذه فترة عصيبة للغاية في حياتي، لأن كل ما عملت بجد من أجله قد تم إيقافه مؤقتًا.”

الأزمات لم تتوقف.. نهاية حزينة في يوفنتوس

لكن المصائب لم تتوقف عند بوجبا، فرغم تخفيف العقوبة، أعلن نادي يوفنتوس عن إنهاء عقد اللاعب بالاتفاق معه بنهاية نوفمبر 2024، وبالتالي أصبح اللاعب وحيدًا في هذه الأزمة، وربما خسر دعمًا مهمًا من نادي يوفنتوس أو جمهوره بعد رحيله عن النادي.

قضى بول بوجبا فترة الإيقاف في عزلة تامة عن الأنشطة الرياضية الرسمية، ممنوعًا من خوض التدريبات الجماعية أو المشاركة في أي فعاليات مرتبطة بكرة القدم، تنفيذًا لقرار الإيقاف الصادر في فبراير 2024. وعلى مدار ما يقارب 18 شهرًا، اختفى اسم بوجبا من العناوين الإيجابية، وغاب عن الأضواء التي كانت تلاحقه في الماضي في أوقات تألقه.

العودة من جديد.. موناكو ورحلة إحياء مسيرة بوجبا

مع نهاية الإيقاف في مارس 2025، أصبح بوجبا أخيرًا حرًا من القيود، وعاد رسميًا إلى وضع اللاعب المتاح، لكنه كان لاعبًا بدون نادٍ، وبتاريخ حديث لا يخلو من علامات استفهام. ورغم الشكوك، لم يتأخر نادي موناكو كثيرًا في التحرك، حيث فتح باب التفاوض مع اللاعب الذي بدأ مسيرته على أرض فرنسا.

وفي 28 يونيو 2025، أُسدل الستار على أشهر من الغموض، حين أعلن موناكو رسميًا تعاقده مع بوجبا في صفقة انتقال مجاني انضم فيها اللاعب إلى الدوري الفرنسي، صفقة حملت في طياتها مشاعر متناقضة: من ناحية، هناك نجم كبير يبحث عن الإنقاذ وإثبات الذات مجددًا؛ ومن ناحية أخرى، نادٍ طموح يراهن على إحياء لاعب عالمي مقابل مخاطر محسوبة.

لكن الصفقة تثير أيضًا كثيرًا من الأسئلة: هل لا يزال يملك ما يقدمه؟ هل تعلم من السنوات الصعبة؟ وهل تكون هذه محطته الأخيرة أم بداية جديدة من حيث لا يتوقع أحد؟

دموع التوقيع ورسالة العودة

عند لحظة التوقيع مع موناكو، لم يكن بول بوجبا ذلك النجم الاستعراضي المعتاد بابتسامته العريضة وثقته المطلقة، بل بدا إنسانًا عاد من رحلة قاسية مليئة بالخسارات والانكسارات، ليحصل أخيرًا على فرصة جديدة. بالتأكيد رأينا المشهد الذي أدمعت عيونه فيه بعد التوقيع مباشرة عندما غلبته مشاعره، وهو يتفوه بكلمات قصيرة: “شكرا على الثقة”، كان هذا دليلًا على حجم المعاناة التي مر بها بوجبا.

لم تكن تلك مجرد عبارة بروتوكولية، بل كانت اعترافًا ضمنيًا بأنه يدرك تمامًا أنه يقف عند مفترق طرق نادر، وأن ما حصل عليه من موناكو لم يكن عرضًا رياضيًا فحسب، بل يد امتدت إليه في لحظة كان فيها العالم يبتعد عنه.

وفي فيديو الإعلان الرسمي عن الصفقة، بدأ المشهد وانتهى بكلمة واحدة حملت كل ما يطمح إليه بوجبا: “La renaissance” أو “النهوض”. الكلمة جاءت مختارة بعناية، وكأنها تلخص كل ما مرّ به، وكل ما يأمل أن يحققه. لم يكن يتحدث فقط عن عودته إلى الملاعب، بل عن عودة رجل فقد كل شيء تقريبًا، وقرر أن يبدأ من جديد، لا بنبرة التحدي الصاخبة، بل بروح أكثر نضجًا، وأمل أكثر تواضعًا.

الدموع التي ظهرت في عينيه لم تكن ضعفًا، بل لحظة مصالحة داخلية بين لاعب كان يُنظر إليه كأيقونة عالمية، وبين شخص عاش أسوأ فترات حياته في صمت. الآن، في موناكو، يبدأ بوجبا محاولة استرداد ذاته.

هكذا، بدأ فصل جديد في القصة المعقدة لبول بوجبا. فصل لا يشبه ما سبقه، لكنه يحمل نفس الشيء الذي لطالما رافقه منذ بداية مشواره: الأضواء، والمتابعة، والاحتمالات المفتوحة.

حسام أحمد

صحفي رياضي مصري متخصص في كرة القدم، أتمتع بخبرة في تغطية المباريات وصناعة القصص الصحفية المميزة. أجريت عددًا كبيرًا من الحوارات مع شخصيات كروية محليًا وعالميًا، وقدمت العديد من الأخبار الحصرية المتعلقة بكرة القدم حول العالم.